كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقوله: {إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ... (112)}.
يقول: إلا أن يعتصموا بحبل من اللّه فأضمر ذلك، وقال الشاعر:
رأتني بحبليها فصدّت مخافة ** وفى الحبل روعاء الفؤاد فروق

أراد: أقبلت بحبليها، وقال الآخر:
حنتني حانيات الدهر حتى ** كأني خاتل أدنو لصيد

قريب الخطو يحسب من رآني ** ولست مقيّدا أنى بقيد

يريد: مقيّدا بقيد.
وقوله: {لَيْسُوا سَواءً مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ... (113)}.
ذكر أمّة ولم يذكر بعدها أخرى، والكلام مبنىّ على أخرى يراد لأن سواء لابد لها من اثنين فما زاد.
ورفع الأمة على وجهين أحدهما أنك تكرّه على سواء كأنك قلت: لا تستوي أمة صالحة وأخرى كافرة منها أمّة كذا وأمّة كذا، وقد تستجيز العرب إضمار أحد الشيئين إذا كان في الكلام دليل عليه، قال الشاعر:
عصيت إليها القلب إني لأمرها ** سميع فما أدرى أرشد طلابها

ولم يقل: أم غىّ، ولا: أم لا لأن الكلام معروف المعنى. وقال الآخر:
أراك فلا أدرى أهمّ هممته ** وذو الهمّ قدما خاشع متضائل

وقال الآخر:
وما أدرى إذا يمّمت وجها ** أريد الخير أيّهما يلينى

أالخير الذي أنا أبتغيه ** أم الشرّ الذي لا يأتلينى

ومنه قول اللّه تبارك وتعالى: {أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِدًا وَقائِمًا} ولم يذكر الذي هو ضدّه لأنّ قوله: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} دليل على ما أضمر من ذلك.
وقوله: {يَتْلُونَ آياتِ اللَّهِ آناءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ} السجود في هذا الموضع اسم للصلاة لا للسجود لأن التلاوة لا تكون في السجود ولا في الركوع.
وقوله تعالى: {قَدْ بَدَتِ الْبَغْضاءُ مِنْ أَفْواهِهِمْ (118)} وفى قراءة عبد اللّه: {وقد بدا البغضاء من أفواههم} ذكّر لأنّ البغضاء مصدر، والمصدر إذا كان مؤنّثا جاز تذكير فعله إذا تقدّم مثل {وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ} و{فَقَدْ جاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ} وأشباه ذلك.
وقوله: {ها أَنْتُمْ أُولاءِ (119)} العرب إذا جاءت إلى اسم مكنىّ قد وصف بهذا وهاذان وهؤلاء فرّقوا بين (ها) وبين (ذا) وجعلوا المكنى بينهما، وذلك في جهة التقريب لا في غيرها، فيقولون: أين أنت؟ فيقول القائل: هأنذا، ولا يكادون يقولون: هذا أنا، وكذلك التثنية والجمع، ومنه: {ها أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ} وربما أعادوا (ها) فوصلوها بذا وهذان وهؤلاء فيقولون: ها أنت هذا، وها أنتم هؤلاء، وقال اللّه تبارك وتعالى في النساء: {ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ جادَلْتُمْ عَنْهُمْ}.
فإذا كان الكلام على غير تقريب أو كان مع اسم ظاهر جعلوا (ها) موصولة بذا، فيقولون: هذا هو، وهذان هما، إذا كان على خبر يكتفى كلّ واحد بصاحبه بلا فعل، والتقريب لابد فيه من فعل لنقصانه، وأحبوا أن يفرقوا بذلك بين معنى التقريب وبين معنى الاسم الصحيح.
وقوله: {وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا (120)} إن شئت جعلت جزما وإن كانت مرفوعة، تكون كقولك للرجل: مدّ يا هذا، ولو نصبتها أو خفضتها كان صوابا لأن من العرب من يقول مدّ يا هذا، والنصب في العربية أهيؤها، وإن شئت جعلته رفعا وجعلت (لا) على مذهب ليس فرفعت وأنت مضمر للفاء كما قال الشاعر:
فإن كأن لا يرضيك حتى تردّني ** إلى قطرىّ لا إخالك راضيا

وقد قرأ بعض القراء {لا يضركم} تجعله من الضير، وزعم الكسائي أنه سمع بعض أهل العالية يقول: لا ينفعني ذلك وما يضورني، فلو قرئت: {لا يضركم} على هذه اللغة كان صوابا.
وقوله: {وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقاعِدَ لِلْقِتالِ (121)} وفى قراءة عبد اللّه {تبوّى للمؤمنين مقاعد للقتال} والعرب تفعل ذلك، فيقولون: ردفك وردف لك. قال الفرّاء قال الكسائىّ: سمعت بعض العرب يقول: نقدت لها مائة، يريدون نقدتها مائة، لامرأة تزوّجها. وأنشدنى الكسائىّ:
أستغفر اللّه ذنبا لست محصيه ** ربّ العباد إليه الوجه والعمل

والكلام باللام كما قال اللّه تبارك وتعالى: {وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ} {وفَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ} وأنشدنى:
أستغفر اللّه من جدّى ومن لعبى ** وزرى وكلّ امرئ لابد متّزر

يريد لوزري. ووزري حين ألقيت اللام في موضع نصب، وأنشدني الكسائىّ:
إن أجز علقمة بن سعد سعيه ** لا تلقنى أجزى بسعى واحد

لأحبني حبّ الصبىّ وضمّنى ** ضمّ الهدىّ إلى الكريم الماجد

وإنما قال (لأحبنى) لأنه جعل جواب إن إذ كانت جزاء كجواب لو.
وقوله: {وَاللَّهُ وَلِيُّهُما (122)} وفى قراءة عبد اللّه {واللّه وليّهم} رجع بهما إلى الجمع كما قال اللّه عز وجل: {هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ} وكما قال: {وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا}.
وقوله: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأمر شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ (128)}.
في نصيبه وجهان إن شئت جعلته معطوفا على قوله: {لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ} أي {أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ} وإن شئت جعلت نصبه على مذهب حتّى كما تقول: لا أزال ملازمك أو تعطينى، أو إلا أن تعطينى حقىّ.
وقوله: {وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ... (135)}.
يقال ما قبل إلا معرفة، وإنما يرفع ما بعد إلا بإتباعه ما قبله إذا كان نكرة ومعه جحد كقولك: ما عندى أحد إلا أبوك، فإن معنى قوله: {وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ} ما يغفر الذنوب أحد إلا اللّه، فجعل على المعنى. وهو في القرآن في غير موضع.
وقوله: {إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ... (140)}.
وقرح. وأكثر القرّاء على فتح القاف. وقد قرأ أصحاب عبد اللّه: قرح، وكأنّ القرح ألم الجراحات، وكأنّ القرح الجراح بأعيانها. وهو في ذاته مثل قوله: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ} ووجدكم {وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ} وجهدهم، {ولا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَها} ووسعها.
وقوله: {وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا} يعلم المؤمن من غيره، والصابر من غيره.
وهذا في مذهب أي ومن كما قال: {لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى} فإذا جعلت مكان أي من الذي أو ألفا ولا ما نصبت بما يقع عليه كما قال اللّه تبارك: {فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ} وجاز ذلك لأن في الذي وفى الألف واللام تأويل من وأىّ إذ كانا في معنى انفصال من الفعل.
فإذا وضعت مكانهما اسما لا فعل فيه لم يحتمل هذا المعنى. فلا يجوز أن تقول: قد سألت فعلمت عبد اللّه، إلا أن تريد علمت ما هو. ولو جعلت مع عبد اللّه اسما فيه دلالة على أي جاز ذلك كقولك: إنما سألت لأعلم عبد اللّه من زيد، أي لأعرف ذا من ذا. وقول اللّه تبارك وتعالى: {لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَؤُهُمْ} يكون: لم تعلموا مكانهم، ويكون لم تعلموا ما هم أكفار أم مسلمون. واللّه أعلم بتأويله.
وقوله: {وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا... (141)}.
يريد: يمحّص اللّه الذنوب عن الذين آمنوا، {وَيَمْحَقَ الْكافِرِينَ}: ينقصهم ويفنيهم.
وقوله: {وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ (142)} خفض الحسن «ويعلم الصابرين» يريد الجزم. والقرّاء بعد تنصبه. وهو الذي يسمّيه النحويّون الصرف كقولك: «لم آته وأكرمه إلا استخفّ بي» والصرف أن يجتمع الفعلان بالواو أو ثم أو الفاء أو أو، وفى أوّله جحد أو استفهام، ثم ترى ذلك الجحد أو الاستفهام ممتنعا أن يكّر في العطف، فذلك الصرف. ويجوز فيه الإتباع لأنه نسق في اللفظ وينصب إذ كان ممتنعا أن يحدث فيهما ما أحدث في أوّله ألا ترى أنك تقول: لست لأبى إن لم أقتلك أو إن لم تسبقنى في الأرض.
وكذلك يقولون: لا يسعنى شيء ويضيق عنك، ولا تكرّ (لا) في يضيق. فهذا تفسير الصرف.
وقوله: {وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (143)} معناه: رأيتم أسباب الموت. وهذا يوم أحد يعنى السيف وأشباهه من السلاح.
وقوله: {أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ... (144)}.
كلّ استفهام دخل على جزاء فمعناه أن يكون في جوابه خبر يقوم بنفسه، والجزاء شرط لذلك الخبر، فهو على هذا، وإنماجزمته ومعناه الرفع لمجيئه بعد الجزاء كقول الشاعر:
حلفت له إن تدلج اللّيل لا يزل ** أمامك بيت من بيوتى سائر

فلا يزل في موضع رفع إلا أنه جزم لمجيئه بعد الجزاء وصار كالجواب. فلو كان أفإن مات أو قتل تنقلبون جاز فيه الجزم والرفع. ومثله {أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ} المعنى: أنهم الخالدون إن مت. وقوله: {فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدانَ شِيبًا} لو تأخرت فقلت في الكلام: فكيف إن كفرتم تتقون جاز الرفع والجزم في تتقون.
وقوله: {وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ... (146)}.
والربّيون الألوف.
تقرأ: قتل وقاتل. فمن أراد قتل جعل قوله: {فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ} للباقين، ومن قال: قاتل جعل الوهن للمقاتلين. وإنما ذكر هذا لأنهم قالوا يوم أحد: قتل محمد صلى اللّه عليه وسلم، ففشلوا، ونافق بعضهم، فأنزل اللّه تبارك وتعالى: {وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ}، وأنزل: {وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ}.
ومعنى وكأين: وكم.
وقد قال بعض المفسرين: {وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ} يريد: و{معه ربيون} والفعل واقع على النبي صلّى اللّه عليه وسلم، يقول: فلم يرجعوا عن دينهم ولم يهنوا بعد قتله. وهو وجه حسن.
وقوله: {وَما كانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا... (147)}.
نصبت القول بكان، وجعلت أن في موضع رفع. ومثله في القرآن كثير.
والوجه أن تجعل أن في موضع الرفع ولو رفع القول وأشباهه وجعل النصب في أن كان صوابا.
وقوله: {بَلِ اللَّهُ مَوْلاكُمْ... (150)}.
رفع على الخبر، ولو نصبته: بل أطيعوا اللّه مولاكم كان وجها حسنا.
وقوله: {حَتَّى إِذا فَشِلْتُمْ... (152)}.
يقال: أنه مقدّم ومؤخر معناه: حتى إذا تنازعتم في الأمر فشلتم. فهذه الواو معناها السقوط: كما يقال: {فَلَمَّا أَسْلَما وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ وَنادَيْناهُ} معناه: ناديناه. وهو في حَتَّى إِذا وفلمّا أن مقول، لم يأت في غير هذين. قال اللّه تبارك وتعالى: {حَتَّى إِذا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ} ثم قال: {وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ} معناه: اقترب، وقال تبارك وتعالى: {حَتَّى إِذا جاؤُها وَفُتِحَتْ أَبْوابُها} وفى موضع آخر: {فُتِحَتْ} وقال الشاعر:
حتى إذا قملت بطونكم ** ورأيتم أبناءكم شبّوا

وقلبتم ظهر المجنّ لنا ** إن اللئيم العاجز الخبّ

الخبّ الغدّار، والخبّ: الغدر. وأمّا قوله: {إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ وَأَذِنَتْ لِرَبِّها وَحُقَّتْ} وقوله: {وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ}. وَأَلْقَتْ ما فِيها وَتَخَلَّتْ فإنه كلام واحد جوابه فيما بعده، كأنه يقول: «فيومئذ يلاقى حسابه». وقد قال بعض من روى عن قتادة من البصريّين إذا السّماء انشقّت. أذنت لربها وحقّت ولست أشتهى ذلك لأنها في مذهب {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} و{إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ} فجواب هذا بعده {عَلِمَتْ نَفْسٌ ما أَحْضَرَتْ} و{عَلِمَتْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ}.
وقوله: {إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلى أَحَدٍ... (153)}.
الإصعاد في ابتداء الأسفار والمخارج. تقول: أصعدنا من مكة ومن بغداد إلى خراسان، وشبيه ذلك. فإذا صعدت على السلم أو الدّرجة ونحوهما قلت: صعدت، ولم تقل أصعدت. وقرأ الحسن البصرىّ: {إذ تصعدون ولا تلوون} جعل الصعود في الجبل كالصعود في السلم.
وقوله: {وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْراكُمْ} ومن العرب من يقول: أخراتكم، ولا يجوز في القرآن لزيادة التاء فيها على كتاب المصاحف وقال الشاعر:
ويتّقى السيف بأخراته ** من دون كفّ الجار والمعصم

وقوله: {فَأَثابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ} الإثابة هاهنا في معنى عقاب، ولكنه كما قال الشاعر:
أخاف زيادا أن يكون عطاؤه ** أداهم سودا أو محدرجة سمرا

وقد يقول الرجل الذي قد اجترم إليك: لئن أتيتنى لأثيبنّك ثوابك، معناه: لأعاقبنّك، وربما أنكره من لا يعرف مذاهب العربية. وقد قال اللّه تبارك وتعالى: {فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ} والبشارة إنما تكون في الخير، فقد قيل ذاك في الشرّ.
ومعنى قوله: {غمّا بغمّ} ما أصابهم يوم أحد من الهزيمة والقتل، ثم أشرف عليهم خالد بن الوليد بخيله فخافوه، وغمّهم ذلك.
وقوله: {وَلا ما أَصابَكُمْ} ما في موضع خفض على {ما فاتَكُمْ} أي ولا على ما أصابكم.
وقوله: {ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعاسًا يَغْشى طائِفَةً مِنْكُمْ... (154)}.
تقرأ بالتاء فتكون للأمنة وبالياء فيكون للنعاس، مثل قوله: {يَغْلِي فِي الْبُطُونِ} وتغلى، إذا كانت (تغلى) فهى الشجرة، وإذا كانت {يغلى} فهو للمهل.
وقوله: {يَغْشى طائِفَةً مِنْكُمْ وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ} ترفع الطائفة بقوله: {أهمتهم} بما رجع من ذكرها، وإن شئت رفعتها بقوله يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ولو كانت نصبا لكان صوابا مثل قوله في الأعراف: {فَرِيقًا هَدى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ}.
وإذا رأيت اسما في أوّله كلام وفى آخره فعل قد وقع على راجع ذكره جاز في الاسم الرفع والنصب. فمن ذلك قوله: {وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ} وقوله: {وَالْأَرْضَ فَرَشْناها فَنِعْمَ الْماهِدُونَ} يكون نصبا ورفعا. فمن نصب جعل الواو كأنها ظرف للفعل متصلة بالفعل، ومن رفع جعل الواو للاسم، ورفعه بعائد ذكره كما قال الشاعر:
إن لم اشف النفوس من حىّ بكر ** وعدىّ تطاه جرب الجمال

فلا تكاد العرب تنصب مثل عدىّ في معناه لأن الواو لا يصلح نقلها إلى الفعل ألا ترى أنك لا تقول: وتطأ عديّا جرب الجمال. فإذا رأيت الواو تحسن في الاسم جعلت الرفع وجه الكلام. وإذا رأيت الواو يحسن في الفعل جعلت النصب وجه الكلام. وإذا رأيت ما قبل الفعل يحسن للفعل والاسم جعلت الرفع والنصب سواء، ولم يغلّب واحد على صاحبه مثل قول الشاعر:
إذا ابن أبى موسى بلالا أتيته ** فقام بفأس بين وصليك جازر

فالرفع والنصب في هذا سواء.
وأمّا قول اللّه عز وجل: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ} فوجه الكلام فيه الرفع لأن أمّا تحسن في الاسم ولا تكون مع الفعل.
وأمّا قوله: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما} فوجه الكلام فيه الرفع لأنه غير موقّت فرفع كما يرفع الجزاء، كقولك: من سرق فاقطعوا يده. وكذلك قوله: {وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ} معناه واللّه أعلم من قال الشعر اتبعه الغاوون.